معرفتي بإصابة الإجهاد المتكرر جاءت من التجربة أولًا، لسنوات طويلة كنت أشتكي دائمًا من آلام في المعصم والساعد والمرفق والكتف والرقبة والظهر، فأطوف البيت كالشبح أبحث عن من يدلّكني -ما تزال وضعيّة الشبح مستمرّة دون علاقة بهذا الألم- كي يخفّف عني هذه الآلام. لاحقًا وأنا أترجم فصل ماري كار من كتاب «لماذا نكتب» عرفت ماذا تسمّى هذه الآلام إذ تحدّثت عنها ماري قائلةً أنها إن لم تكتب مستلقيةً، سينهار ظهرها تحت وطأة إصابة الإجهاد المتكرر. حينها عرفت أن لمثل هذه الآلام اسمًا مستقلًا، وما أن ظفرت باسمها، حتى استطعت الفرار منها تقريبًا اعتمادًا على الأخذ بوضعيّة الجلوس المناسبة، المقعد المناسب، ترتيب أجهزة وأدوات العمل بما يخفف الضغط على الجسم، واتباع بعض النصائح لتفادي الأضرار الممكنة. صحيح أنني ما أزال أفرّط في حماية العين حتى يتشنّج جفني، لكن كفيت نفسي عناء البقية، باستثناء المعصم الذي لم أنتبه للمشكلة التي أضعه فيها عدا مؤخرًا. لذا فهذه التدوينة عن تلافي إصابة الإجهاد المتكرّر الناجمة عن العمل المكتبي، وهي قائمة على التجربة الشخصيّة التي استندت فيها على نصائح المختصّين وعلم تنظيم الشغل «Ergonomics».
santaclaracustomchiro.com |
المقعد الأنسب ووضعية الجلوس السليمة:
١- يشتمل المقعد على مسند للذراعين، دعم للرقبة، دعم لأسفل الظهر، ظهر شبكي للتهوية ومرن يسهّل التمدد (التمغّط) خلال فترة الجلوس.
٢- إن لم يشتمل على مسند للذراعين، يمكن الاستعاضة عنه بإراحة الذراعين على الطاولة.
٣- إن لم يشتمل على دعم للرقبة، يمكن الاستفادة من وسائد الرقبة المنفصلة -مثل المستخدمة في السفر عبر الطائرة-.
٤- إن لم يشتمل على دعم لأسفل الظهر، يمكن استخدام وسادة اسطوانيّة صغيرة أو لفّ منشفة إسطوانيًا ووضعها خلف أسفل الظهر، بحيث يكون الورك متأخر لآخر نقطة في الكرسي، أسفل الظهر متقدم قليلًا، بقية الظهر متأخر كوضعه الطبيعي، الكتفين مستندة. عدم استناد الظهر على شيء، الجلوس مائلًا إلى الأمام، يعادل أن تحمل ثقلًا مؤثرًا على ظهرك طيلة فترة الجلوس. بحثت عن مقاعد متوفّرة ضمن حدود ميزانيّتي، فوجدت اثنان من آيكيا إلا أن أحدهما -هذا وهو أول ما ابتعت- وهو الأمثل لا ينساب قصار القامة -عرفت متأخرًا-، لذا ابتعت الآخر -هذا- الذي ينقصه عن السابق دعم الرقبة فقط.
٥- الجلسة الصحيحة على الكرسي التي تعلمناها في المدرسة، أي الجلوس بزاوية ٩٠ ليست صحيحة مثلما يقول اسمها، فالجلوس بزاوية مستقيمة (الظهر مستقيم على الورك) لمدة طويلة يخلّف آلام في الظهر والعمود الفقري. الأفضل جلسة بزاوية من ١١٠ - ١٣٥، بهذا يخفف الضغط على الظهر والعمود الفقري كما تتحسّن عملية التنفس.
٦- لا بد أن يصل الورك إلى أقصى نقطة في الكرسي -أي متأخرًا للخلف-، وأسفل الظهر يحصل على دعم يقدّمه قليلًا وبقية الظهر متراجع بما يتوافق مع وضع الظهر الطبيعي.
٧- الركبة في خط مستقيم مع الفخذ، القدم مرتاحة في وضع مستقيم، على الأرضيّة أو على مسند للقدمين، وإن لم يتوفّر مسند فأي وسادة أو كرتون أو كتب تحقق الدعم الكافي. زاوية انحناء المرفق من ٧٠ إلى ١٣٥ درجة ولا يبعد عن الجسم.
٨- كيف تكون الرقبة في وضع مسترخي؟ تتعامد الأذن على الكتف.
٩- الأقدام متقدمة قليلًا عن الركبة.
١٠- تجنّب الاتكاء أو وضع ساق على ساق.
ترتيب الحاسب المكتبي أو المحمول الأنسب:
مؤسف أن الحاسب المحمول ليس الخيار الأمثل للعمل المكتبي، فالحاسب المكتبي هو الخيار الأمثل، لكن ثمة خطوات تقلل من تبعات هذا الخيار -تطبّق بدورها على المكتبي طبعًا-:
١- إن كان الحاسب محمولًا، فيفضّل استخدام لوحة مفاتيح وفأرة ملحقة (خارجيّة) بحيث يمكن التعامل مع كل قطعة على نحو منفصل ودوزنتها لتكون مريحة، اللابتوب برمته يعامل كشاشة مستقلة، يرفع على كتب أو حزم أوراق أو دفاتر أو كرتون أو أي عنصر متوفر ليصبح حرف الشاشة من الأعلى في مستوى الجبهة أو أعلى بإنشين من مستوى العين، فلا تتضرر العين والرقبة، ومثلها يحدد ارتفاع شاشة الحاسب المكتبي. لا تكن الشاشة مرتفعة أو منخفضة عن الجبهة، كما لا تكون بعيدة أو قريبة، تكون على مسافة ذراع من العين. أما عند ارتداء نظارة ثنائية البؤرة العدسة فتكون الشاشة أنزل بإنش أو اثنين من هذا المستوى. كما يكون ارتفاع الطاولة بارتفاع المرفق.
٢- كيف أعرف أن لوحة المفاتيح في مكان صحيح؟ تكون مقابلة تمامًا بحيث يصبح الأنف على امتداد مفتاحي الألف واللام أو G&H.
٢- تكون لوحة المفاتيح والفأرة على سطح مستوٍ أنزل بقليل من المرفق ليكون المعصم مستقيم عليها، دون أن يضطر المعصم لانحناء أو ارتفاع عن الذراع، وهذا متوفّر في طاولات الحاسبات المكتبيّة التقليديّة، كما تكون في متناول اليد دون شد الذراع. إضافة إلى أن اليد يجب أن تسترخي على الفأرة، لا تحنى ولا تشد.
٣- في حال عدم وجود لوحة مفاتيح وفأرة منفصلة للحاسب المحمول، فيستحسن أن يوضع على مساند الأجهزة وإن لم تتوفر فملف (Binder) ارتفاع كعبه من إنشين إلى ثلاثة، حيث يكون الكعب المرتفع باتجاه الركبة إن كان على الحجر -لا ينصح بوضعه على الحجر- أو على سطح الطاولة. بهذه الوضعية يكون المعصم في وضع مرتاح -مستقيم- فيما الشاشة أرفع مما هي عليه وبهذا تكون في علو مناسب مريح للعين والرقبة معًا قدر المستطاع.
٤- إن لم يتوفّر ملف ولا طاولة، فيمكن رفع القدمين على وسادة أو أي بديل آخر -كرتون مثلًا- لتحقيق هذه النتيجة مع وضع الحاسب على صينيّة مثلًا والجلوس في وضعيّة مسترخية.
٥- إن لم يتوفر مقعد فيمكن استخدام الحاسب المحمول بالجلوس على الأرض والاستناد إلى الحائط بمساعدة الوسائد أو المناشف لدعم الظهر والورك وتطويع الجلسة بما يخفف الأضرار المحتملة.
نصائح عامة لتفادي الأضرار المترتبة على العمل المكتبي:
١- يفضل أخذ استراحة لخمس دقائق بعد كل ٢٠ -٣٠ دقيقة عمل، للحركة والتمدد أو المشي، ولإراحة العين، وراحة تمتد إلى ربع ساعة بعد كل ساعتين عمل. يمكن الاستفادة من هذا التطبيق «Tomato One» الذي يتيح تحديد مدّة جلسة العمل، والراحة التابعة لها، ثم الراحة الأطول التابعة لعدد محدد من جلسات العمل. بالنسبة لي أفضّل ٢٠ دقيقة عمل تليها ٥ دقائق راحة، وبعد ٤ جلسات عمل ثمة راحة طويلة تمتد لربع ساعة. أدخل البيانات التي أريد أن يعمل عليها المؤقت، فيه أيضًا ميزة تقرير أسبوعي بساعات العمل.
٢- في الاستراحة القصيرة يفضل تأدية هذه التمارين التي لا تستغرق أكثر من دقيقتين ونصف، كنت أقوم بها بعد كل عشرين دقيقة من العمل المكتبي كفتني الأعراض المصاحبة له عادةً، أبعدت الآلام تمامًا في غضون أيام وخلّصت عائلتي من التناوب على جلسات تدليك أكتافي اليوميّة.
٣- بالنسبة للعينين، لتلافي الإجهاد المترتّب على التحديق المطوّل إلى الشاشة، ثمة قاعدة تسمى «٢٠/٢٠/٢٠» ومفادها أن يبعد المرء نظره عن الشاشة كل عشرين دقيقة إما لينظر إلى جسم على بعد عشرين قدم لمدة عشرين ثانية أو يغمض عينه لمدة عشرين ثانية، أما تشنج الجفن فله الإغماض السريع المتكرر.
٤- تكون النقرة على لوحة المفاتيح والفأرة ناعمة، ليست مشدودة أو متشنّجة.
٥- شرب الكمية اللازمة من الماء يوميًا وهي وفق ما يلي بحسب الجنس والعمر (بناءً على بعض الدراسات التي صادفتها):
(فتية وفتيات):
من سنة إلى ثلاث: لتر.
من أربع إلى ثمان: ١.١ لتر.
الطفلات (٩-١٣): ١.٣ لتر.
المراهقات: ١.٨ لتر.
النساء: ٢.٢ لتر.
الأطفال (٩-١٣): ١.٥ لتر.
المراهقون: ٢.٦ لتر.
الرجال ٣ لتر.
المصادر وللمزيد من الاطلاع:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق